
الهاربون من التخطيط... إلى أين؟
بقلم: م. عبد الله عيد العتيبي
في كل مجلس، وفي كل حديث عن المستقبل، يظهر من يقول بثقة:
"أنا لا أحب التخطيط... أفضل أن أعيش اللحظة."
كأنّها عبارة تُوحي بالحرية، لكنها في حقيقتها تُخفي قدراً من الضياع.
فمن لا يخطط لحياته، فإنه — دون أن يشعر — يُسلّم نفسه لأجندات الآخرين.
فالسؤال ليس:
هل لديك خطة؟
بل: هل تدير حياتك، أم تتركها تُدار دون وعي؟
● لماذا يهرب البعض من التخطيط؟
- لأنّه يُجبرهم على رؤية أنفسهم بوضوح.
والخوف من مواجهة الذات، من طرح الأسئلة الكبرى: "أين أنا؟ وماذا أريد؟" يجعل البعض يفضّل الغموض على المواجهة. - لأنّ التخطيط يتطلّب انضباطًا.
والعفوية الزائفة أيسر وأريح — لكنها لا تبني مستقبلًا. - لأنّ ثقافتنا أحيانًا تحتفي بالعشوائية.
حتى أصبح المنظم يُتّهم بالتعقيد، والعشوائي يُنظر إليه وكأنه "فنان مرتجل".
لكن الحقيقة تقول:
الفوضى لا تليق بك.
● وإلى أين يذهب الهارب من التخطيط؟
- يمضي كثيرًا... دون أن يتقدم.
- يزدحم وقته... دون أن يثمر.
- يتعب... ثم لا يدري على ماذا تعب.
الهروب من التخطيط ليس راحة،
بل هو تيهٌ مقنّعٌ بابتسامة مؤقتة.
قال تعالى عن بني إسرائيل:
﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾
والتيه هنا درس خالد: من رفض الدخول المنظّم، عاش في دورانٍ طويل.
● وهل التخطيط معقّد؟
لا.
التخطيط لا يعني أن تمسك دفترًا وتُعدّ مئة هدف دفعة واحدة.
بل يكفيك أن تبدأ بثلاثة أسئلة فقط:
- أين أنا الآن؟
- ماذا أريد أن أكون؟
- ما أول خطوة سأقوم بها اليوم؟
هذه ليست خريطة معقدة… بل بداية طريق.
● ما الذي يمنحك إياه التخطيط؟
- وضوحًا في رؤيتك.
- حكمةً في قراراتك.
- انسجامًا مع قيمك.
- وراحة… لا تشبه تلك الراحة الخادعة التي تمنحها العشوائية.
● تأمل هذا القول:
"من لا يملك خطة، فليتأكد أن هناك من وضعه ضمن خطته."
فالحياد ليس خيارًا.
إما أن تخطط، أو تُستَخدم.
● ختامًا...
التخطيط ليس قيدًا، بل وعي.
وليس جمودًا، بل قدرة على التشكّل الواعي.
وليس صلابةً، بل مرونة تحت راية الرؤية.
كن سيد وقتك، ومهندس خطواتك، ومالكًا لمستقبلك.
فالعشوائية لا تصنع أثرًا... إنها فقط تُبقيك مشغولًا دون أن تمضي إلى أي مكان.
فهل آن لك أن تتوقف عن الهروب؟